الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات بطاقة: زمن القبح.. زمن البراغيث

نشر في  05 نوفمبر 2014  (10:28)

في هذا المنعطف التاريخي الذي تمرّ به البلاد نكاد نكون أو نحن بالفعل في مقدّمة الشعوب.. من حيث مظاهر التخلّف وتردّي الأوضاع في جميع مجالات الحياة، أقول هذا وقد انزاح القناع التجميلي عن قبحنا الذي لم تنفع المراهم ولا التدخّلات التجميلية في إزالته بل ظلّ كامنا كنار تحت الرّماد ينتظر لحظة يعلن فيها العودة، وجاءت اللحظة الفارقة التي شهدت اجتثاثا وحشيّا للقيم باسم الحرّية، وانهدم فينا الأمل، وقد كنّا شاهدين على زلزال حقيقي ضربنا في حلّ منا وهو  أن يكون لنا وطن يظاهي سائر الأمم من حيث الرّقي والتحضّر، وفي ذروة ذهولنا كانت بقعة قاتمة كبقعة الزيت تمتدّ وتمتدّ حتى تكاد تغطّي قممنا وشواطئنا وأنهارنا وكل ما حولنا بلون القذارة القميء. يحدث هذا باسم الحرّية وكأنّ للحرّية وجهان متناقضان: حرية تبنى وحرية تهدم وتزيل البناء!

لقد تهاوى الصرح وبكينا بمرارة السّقوط المدوي وبكينا أكثر خيبة الشعور بان لا رصيد نفاخر به في باب التحضر والتمدّن واحترام القانون، كنّا فقط نخشي الجلاّد ونأتمر بأمره في منتهى الرياء والخداع، أمّا داخلنا فتسكنه

حالة حنين صاخب الى أزمنة القبيلة والتصحّر الفكري والتشرذم والتصدّي لكلّ مظاهر التوحّد والانسجام ومحاكات الآخر الذي سبقنا في العلم والحضارة. نحن إذن أحرار، نزعنا القيود لا لنؤسس لحاضر ومستقبل تصهرهما إرادة الحياة وانما نحن اليوم في سباق محموم نحو المجهول، نحن نتدحرج الى الوراء من خلال سباق محموم وفكر هدّام. ما أقبح هذا التدحرج الى أزمنة «القمل» و«البرغوث» وأكوام النفايات التي تكاد تبتلعنا ونحن نتباهى بحرية لامعنى لها وقد أسيء فهمها واستعمالها، ما أقبح أن نضرب عرض الحائط بكلّ ما تعلّمناه في المدارس من ضوابط وقيم وتصبح المدرسة بؤرة وباء وفضاء التقاء بين القمل والبرغوث تمتصّ دماء فلذات أكبادنا دون أن يكون لوزراتي الصحة العموميّة والتربية أي تدخّل حاسم في إيقاف النزيف. ما أسوأ ما نحن عليه من عجز في زمن تثار فيه مسائل بهذا القبح (القمل والبرغوث في مؤسّساتنا التعليميّة) ويقع تقبّل الأمر دون ردود فعل كبيرة!!

إنّها مظاهر القبح والتخبّط وانعدام الرؤيا اجتمعت كلها فينا وحولنا بكلّ تفاصيلها الواقعيّة والمتخيّلة في هذا الزمن الرّديء الذي تتقلّص فيه أحلامنا وتتآكل تحت الضربات الموجعة والأمراض التي تتهدّد ناشئتنا في ظلّ غياب كلّي لمظاهر النظافة في عديد المؤسسات التعليميّة التي يحدث ان يصاب تلامذتها بمرض الفيروس الكبدي ويتحمّل الأولياء تبعات تفشي المرض بما في ذلك المصاريف الباهضة دون تدخّل من وزارة الصحة ووزارة التربية، حصل هذا في مكان غير بعيد عن العاصمة وفي ولاية نابل وتحديدا في مدرسة «زنقو» التابعة لمعتمدية تاكسلة حيث تمّ تسجيل اصابات طالت عديد التلاميذ، ومرّ الأمر في الخفاء.

وحدها الصدفة جعلتني أعلم بما يعني أن بؤرا أخرى قد تكون منتشرة هنا وهناك.. إنّه القبح الذي أعادنا عقودا الى الوراء.. أمّة تتوضّأ من خطيئتها بجمر الادعاء المرّ وتقدم جحافل أبنائنا قرابين لسادتها وأولي الأمر فيها، تبايع سادتها لتجني الخيبة تلوالخيبة.. انّه المنحدر والسقطة المدوية التي لا أرجوها لوطن لا أحسبه الاّ متشبّثا بحلم أجياله وقادرا على التخلّص من قبحه.

بقلم الأستاذة: سعيدة شبّاح